Uncategorizedالرأي

الطيب الهادي يكتب : حركات دارفور بين خطاب التعاطف وتحالف السلاح: حينما يتماهى الثوري مع يد القهر


من أكثر المشاهد التي تثير الحيرة والأسى في الحرب السودانية الجارية، هي تلك التي نراها من بعض قادة حركات دارفور المسلحة، الذين خرجوا من رحم المأساة، وحملوا البندقية باسم المقهورين في معسكرات النزوح والمحرومين في القرى والفرقان، لكنهم اليوم يصافحون ذات اليد التي دكّت تلك القرى، وأحرقت المعسكرات وشردت ساكنيها.

ففي الوقت الذي يطلق فيه الجيش السوداني قنابله من طائرات “الميغ” و”السوخوي” على المدنيين في دارفور، ويحول القرى إلى رماد، يظهر قادة حركات كانوا حتى وقت قريب يدّعون تمثيل الهامش وهم يقفون في صف هذا الجيش، يبررون له أفعاله، بل ويُمنّون النفس بالعودة من بوابة “الشرعية العسكرية”.

أين يقف الضمير الثوري؟

تتساءل الأمهات في معسكرات زمزم وكلما، وتبكي الجدّات في “سرف عمرة” و”كتم”، ولا يجدن جوابًا: كيف لحركات دارفورية أن تصمت، بل أن تدافع أحيانًا، عن جيش هو من يقتل أبناءهم؟ كيف لحركات عاشت عقودًا تتغذى على خطاب التهميش والتطهير العرقي، أن تضع يدها في يد من يمارس ذات الفعل، فقط لأن العدو الآن أصبح “الدعم السريع” لا “النظام السابق”؟

مأزق مزدوج:

ما يجري اليوم يفضح ازدواجية هذه الحركات. فهي لم تعد تمثل الهامش كما تدّعي، بل باتت تمثل مصالحها السياسية والعسكرية، حتى وإن كان الثمن دماء من قالت إنها جاءت لتحميهم.

هذا التواطؤ السياسي لا يقل خطورة عن الانتهاكات العسكرية. لأن القبول بالتحالف مع الجيش في لحظة يستخدم فيها الطيران لقصف المدنيين في دارفور، هو تبنٍّ صريح أو ضمني لجرائمه، بصرف النظر عن النوايا أو التبريرات.

الشرعية الأخلاقية أولًا:

ما تحتاجه دارفور اليوم ليس بيانات تعاطف جوفاء، بل مواقف واضحة من جميع من يدّعي تمثيلها. فإما أن تكون مع المدنيين المظلومين، في وجه أي طرف يعتدي عليهم، أو لا تكون. الثورة لا تحتمل المواقف الرمادية، ولا تبرر القتل على أساس من هو العدو في اللحظة.

كسرة#
من السهل أن تكتب بيانًا حزينًا عن أوضاع أهلك في المعسكرات، لكن من الصعب أن تنظر في المرآة وتقول: “لقد خنتهم عندما اخترت الاصطفاف مع من يقصفهم.”
الحقيقة المُرّة أن كثيرًا من الحركات الثورية فقدت مشروعها الأخلاقي قبل أن تفقد سلاحها. والرهان الآن لم يعد عليهم، بل على الوعي الشعبي الجديد في دارفور وكل السودان، الذي بات يميز بين من يناضل لأجل وطن، ومن يتاجر بقضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى