
الفاضل سنهوري أين موقع أزمة السودان من السياسة الخارجية الأمريكية.
بعد إنتخاب دونالد ترامب مؤخرا رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية في بداية هذا العام توقع كثير من المحللين تغيرا كبيرت في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية نحو السودان، ولكن يمكن الأن وبكل وضوح القول إن السودان لا يحتل أولوية على قائمة الاهتمامات الأمريكية ولم يحدث اي تغيير يزكر في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية نحو السودان حتي الان .
لكن السودان في المقابل كما يراه الاقتصاديين الامريكيين هو دولة غنية بالنفط والمعادن، ويلعب دوراً حيوياً في إنتاج الطاقة عالمياً، مستقبلا، كما الحرب والازمة السياسية والامنية يؤثر كثيرا ويلعب دوراً حيوياً كذلك على صعيد الاستقرار العالمي. ومن هذه الزاوية، يمكن القول إن السودان يمثل أهمية اقتصادية عظيمة سواء لأمريكا أو لدول شرق اوسطية وغربية أخرى تنشط حاليا في التعاطي مع الأوضاع المعقدة في السودان.
ونسبة للتغير في السياسة الاقتصادية وإتجاه مؤشر المصالح الاقتصادية الامريكية نحو دول اسيا والشرق الأوسط خصوصا في ملف الطاقة، يمكن القول أيضا أن الملف الأفريقي بشكل عام والسودان بصفة خاصة، لم يمثل أولوية في السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة الأخيرة، حتى في ظل إدارة الحزب الديمقراطي. ويجدر الإشارة في هذا الصدد الي أنسحاب الولايات المتحدة من ملفات دول الساحل الأفريقي، وتقليص النفوذ الأمريكي في الغرب الأفريقي في أعقاب انقلابات عسكرية وقعت هنالك مثل بوركينافاسو والنيجر ومالي، هذا فضلاً عن تقليص النفوذ الأمريكي في شرق أفريقيا والسودان بالصومال وارتيريا وأثيوبيا، ومقابل ذلك إنكفت إدارة ترامب داخليا لإستعادة عظمة أمريكا كما ظل يردد ترامب طوال حملته الانتخابية.
وتكشف بعد إنقضاء المئة يوم الأولي لحكومة ترامب وحصيلة القرارات التنفيذية التي وقعها الرئيس الأمريكي يمكن الجزم بأن الإدارة الأمريكية الجديدة ماذالت تواصل ذات النهج السابق للرئيس جو بايدن، وأن سياسة ترامب الخارجية يمكن وصفها بنها سياسة انعزالية بالأساس، وبالتالي ليس مرجحاً أن يكون السودان على جدول اهتمامات الرئيس الامريكي ترامب.
ولا يستبعد أن تكون السياسة الخارجية الامريكية أن تتعامل مع السودان الإ في إطار التحرك العالمي للازمة الانسانية للحرب التي اندلعت في ١٥ أبريل ٢٠٢٥م وبشكل خجول جدا وفقا للسياسات التقشفية وتجفيف المساعدات وبرامج المعونات الامريكية التي يتبعها ترامب. او أن تتوسع دائرة أهتمامها ضمن إطار آخر حيوي مثل قضية البحر الأحمر وتأمين الاتفاق في غزة والشرق الأوسط الجديد، فعندئذ يمكن أن يمثل السودان أهمية للسياسة الخارجية لحكومة ترامب.
وبالنظر الي السياسة الخارجية الامريكية تجاه السودان في السنوات العشر الماضية نجد أن السودان خارج دائرة اهتمام الولايات المتحدة منذ الفترة الثانية من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، حين قررت واشنطن تحويل ملف شؤون السودان والقرن الأفريقي إلى دول الخليج، ومنذ ذلك الحين، لم ترغب واشنطن أو لم تستطع التراجع عن قرارها بتوكيل دولة الخليج النافذة التي ترتبط بمصالح استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
مع تزايد نفوذ دول الخليج العربي في شرق ووسط أفريقيا تغيرت الأوضاع وجعلت هذة الدول هي المؤثر الحقيقي في تشكيل واقع جديد بتكل الدول وكن بينها السودان، ولا تعير الولايات المتحدة تلك التغيرات أي اهتمام لطالما تراعي مصالح حلفاءها، لكن ما لم تضعه الولايات المتحدة في حساباتها هو اشتداد التنافس واحتداد التوترات بين حلفائها في الخليج حول المصالح الاقتصادية واقتسام تلك الترواث المعدنية والأسواق الاقتصادية النشطة بين تلك الدول، لا سيما السعودية والإمارات وقطر، حيث كانت السعودية والإمارات متوافقتين على صعيد السياسة الخارجية إزاء اليمن وإيران وماذال مستمرا، لكن تغيير في الصومال ومصر والسودان.
ومؤخرا دخلت الامارات العربية المتحدة بقوة في شرق ووسط افريقيا ونجحت في وضع مؤط قدم لها في تشاد وافريقيا الوسطي ويوغندا وكينيا باستثمارات مشتركة مع شركات وبيوت تمويل أمريكية متماشية مع السياسات الاقتصادية والخارجية للولايات المتحدة لحكومة جو بايدن وهي السياسة التي لم يقوم بتغيرها الرئيس ترامب بل يسير عليها وبقوة مشجعا دول الخليج الاخري للاستمرار في ذلك.
ومع محاولة دخول دول خليجية وأخري في شرق افريقيا والسودان مثل قطر ومصر على سبيل المثال في سباق أقتسام دور الوكالة الأمريكية في سياستها الخارجية نحو السودان مع السعودية والامارات العربية. رفعت الادارة الامريكية العصا في مواجهتها مباشرة ودفعت اليها بمعالجة ملف توطين الفلسطيين في شرق افريقيا ومساؤمتها بذلك مقابل التغاضي عن طموحاتها وأهتماماتها بالإستثمارات في الصومال وليبيا.
ومن غير المتوقع أن يحدث تغير كبير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية تجاه السودان في فترة الرئيس ترامب الانعزالية خارجيا، وتركيزه علي الاجندة الداخلية الاقتصادية والمنافسة مع الصين والازمة الروسية الاوكرانية التي تحتل الأولوية في منضدة ترامب، لكن من المرجح جدا أن تسمح بدخول لاعبين جدد في الأزمة السودانية المستفحلة مقابل إقتطاع جزء من الدور الإستراتيجي للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية تجاة شرق أفريقيا وفي مقدمتها السودان.
٢٦ مارس ٢٠٢٥م