Uncategorizedالأخبار

بهرام ابوعلي يكتب : ضرورة تكوين حكومة مدنية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع

في ظل الحرب الطاحنة التي يشهدها السودان، أصبح المواطن العادي هو الضحية الأولى في صراع سياسي وعسكري لا يبدو أنه يتجه نحو نهايته. وبينما يواصل الجيش السوداني بقيادة التيار الإسلامي التصعيد العسكري، تتفاقم معاناة ملايين السودانيين في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، حيث باتوا يواجهون القصف الجوي المستمر، الحرمان من الخدمات الأساسية، والتمييز العرقي الذي يصل إلى مستوى الدعوة للإبادة. وسط هذه الأوضاع، تظهر ضرورة ملحة لتأسيس حكومة مدنية في هذه المناطق تكون قادرة على تقديم الخدمات الأساسية، تعزيز الوحدة، والدعوة للسلام، كخطوة للخروج من الأزمة.

الحاجة إلى حكومة مدنية تعيد للإنسان كرامته حيث تشير تجارب الحروب الداخلية عبر التاريخ إلى أن تهميش المجتمعات المحلية وتركها دون قيادة مدنية تدافع عن حقوقها يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية وزيادة مشاعر العداء بين الأطراف المتنازعة. على سبيل المثال، في حرب البوسنة والهرسك (1992-1995)، أدى غياب الإدارة المدنية القادرة على تلبية احتياجات المدنيين في بعض المناطق إلى كارثة إنسانية كبرى، حيث استغل المتطرفون الفراغ السياسي لتعميق الانقسامات العرقية ونشر الكراهية.

في السودان اليوم، يعاني المواطنون في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع معاناة بالغة نتيجةً لاستغلال الجيش و احتكاره لكل أدوات الدولة في حربه ضد المجتمع ككل بعد فشله في الحسم العسكري للمعركة التي أشعلها . فان تكوين حكومة مدنية سيعيد للناس شعورهم بالأمان وكرامتهم، ويوفر لهم خدمات الصحة، التعليم، والمياه النظيفة، و الوثائق الثبوتية و المعاملات المالية وهي الحقوق الأساسية التي يكفلها القانون الدولي الإنساني.


القانون الدولي الإنساني يشدد على حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، ويُحظر استخدام الحرمان من الخدمات أو القصف الجوي كوسيلة لتجويع أو ترويع او الانتقام من السكان. وفقاً لاتفاقيات جنيف، فإن أطراف النزاع مطالبة بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والخدمات إلى المدنيين. لكن الواقع في السودان يشهد تجاهلاً لهذه القوانين من قبل جيش الإسلاميين ، مع استخدام القصف الجوي لفرض السيطرة على المجتمعات في مناطق الدعم السريع، مما يترك هؤلاء المدنيين بلا خيارات سوى الهروب أو الموت.

هنالك تجارب كثيرة تُظهر كيف يمكن للحكومات المدنية في مناطق الصراع و الحروب أن تلعب دوراً حاسماً في حماية المدنيين وضمان تلبية احتياجاتهم. برغم التحديات الأمنية والسياسية، نجحت تلك الإدارات في توفير الخدمات الأساسية وإقامة مؤسسات تعليمية وصحية. هذه النماذج تؤكد أن تأسيس حكومة مدنية في مناطق سيطرة الدعم السريع قد لا يكون مجرد ضرورة إنسانية، بل فرصة لإعادة بناء المجتمع على أسس أكثر عدالة ومساواة.

ربما ستمثل هذه الخطوة جسراً نحو الوحدة والسلام فمن الأخطاء التاريخية المتكررة في الصراعات الداخلية اعتبار الحل العسكري الوسيلة الوحيدة لتحقيق السلام. تجربة رواندا بعد الإبادة الجماعية عام 1994 تقدم درساً مهماً: إعادة بناء الثقة بين المجتمعات لا يمكن أن يتم بالسلاح، بل من خلال التركيز على التنمية والخدمات.

في السياق السوداني، يمكن للحكومة المدنية أن تكون منصة لتوحيد المجتمعات الممزقة، حيث توفر التعليم والخدمات الصحية للجميع بغض النظر عن العرق أو الانتماء السياسي. هذه الحكومة يمكن أن تكون أيضاً منبراً لتوجيه رسائل سلام ومصالحة، كسر دائرة الكراهية، والدعوة لحوار وطني يشارك فيه الجميع.


على الرغم من ادعاءات الجيش السوداني بأنه يسعى لإنقاذ الدولة من التفكك، فإن سياساته الحالية لا تؤدي إلا إلى تأجيج الانقسامات. الاعتماد على القصف الجوي واحتكار أدوات الدولة لا يقتصر فقط على تدمير البنية التحتية، بل يعمّق الفجوة بين مكونات المجتمع السوداني. من هنا، يصبح تأسيس حكومة مدنية في مناطق الدعم السريع ليس عملاً انفصالياً كما قد يدّعي البعض، بل إجراءً يهدف إلى حماية المدنيين، تقليل الكلفة الإنسانية للحرب، وفتح الباب أمام حل سياسي شامل

بهرام أبوعلي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى