
ابوعبيدة برغوث يكتب سلام ياصاحبي : دريك الفريد هل كان حاضرٱ فى نقاشات ( تأسيس ) ؟
كانت نقاشاتنا حول الإعلان عن المشروع الثقافى (للسودان الجديد) والتي إمتدت لأسابيع وقفنا من خلالها على حقائق الواقع فى بلادنا وهو واقع مملوء (بالمظالم التاريخية ) مظالم لم تكن سياسة فحسب وإنما هناك مظالم (ثقافية – إجتماعية – إقتصادية) كرست لها الدولة المركزية وظلت تعمل عن عمد علي تغييب حقوق الآخرين (فنيٱ وٱدبيا وثقافيٱ) وفي ثنايا النقاش قلت لبعض الأصدقاء ونحن ندير حوارا عميقٱ وعقلانيٱ انطلاقٱ من تجربة دريك الفريد .
أذكر أني تقدمت بطلب فى العام 2015 إلى مجلس الثقافة والفنون بغرض إنشاء مركز (الجرارى والمردوم) وهو مركز يهدف إلي عكس ثقافة وفنون الملايين من السودانين من أهل (البادية) ، ولكن بدأت المماطلة من قبل المجلس والوزارة وكان هناك صديق قريب من المجلس ( قلت له ناسكم ديل ما عايزين يصدقوا لى المركز دا ليه مش هم صدقوا نادى الطمبور )
ضحك صديقى حد البكاء ثم قال لى (ياخ خليها مستورة وأنسى موضوع نادي (الجرارى والمردوم دا) وقتها أدركت الحقيقة وعملت بنصحية ذاك الصديق حيث كان أكثر صراحة ووضوحا أتمناه أن يكون بخير الآن وهو فى (الضفة الأخرى) ولم يلتحق بميادين تحرير السودانين العظيمة التى ترمى إلى تحرير شعوبنا ، لكن مثل هذا الصديق يمكن أن يكون جسرٱ للتواصل بين (شعوبنا).
انا كنت مهتم ومازلت بقضية الثقافة والفنون تدفعنى قناعتى أن شعوبنا لها تراث عظيم تم إخفاءه عن عمد ولذلك ظلت نقاشات إدارة التنوع حاضرة بشكل لافت فى (ميثاق نيروبى) وشكلت تلك النقاشات واحدة من أعظم نصوص (ميثاق تأسيس).
أذكر أني تلقيت دعوة في العام 2023م من الزملاء فى جنوب السودان لحضور مهرجان (ديرك الفريد) ولكن قبل يومين من موعد المهرجان اندلعت الحرب فى بلادى لذا لم أتمكن من المشاركة فى المهرجان وكتبت إلى الاصدقاء هناك رسالة اعتزار جاء فيها :
صديقى اتيم سايمون شواغل عديدة حالت دون مشاركتي لكم في مهرجان (دريك الفريد) الثقافى بجوبا وهو أي المهرجان يأتى فى إطار مجهوداتكم فى التوثيق لجنوب السودان (ثقافياً وسياسياً) وأعتقد دريك الفريد واحد من الذين أثروا الساحة الثقافية والفنية فى جنوب السودان بمكتبة ضخمة جمعت شتات الفن والثقافة وقدمتها فى حزمة واحدة من خلال (مركز وفرقة كوتو) التى تعرف العالم من خلالها على جنوب السودان، إلتقيت بالرجل فى شتاء عام 2009م عند زيارتى له فى مركزه بالخرطوم وجدته ثائراً مسكوناً بالتاريخ والثقافة والفنون وحب الأرض والإنتماء لها وهو طلسم لا يخسر ابداً قيمه فى مواجهة الزمن فهو يجسد خاصية رفض الهزيمة ، دخلنا معه مكتبة (كوتو) وتأكد لى أن هناك فرق كبير بين عطاء المال وعطاء الروح وأن تلك المكتبة التى جمعها الرجل هى (عطاء الروح) فى المعرفة.
مازالت صورة أفراد الفرقة عالقة فى جدار القلب خاصة صورة فتياتها وهن يرقصن بمرح حيث طافن بنا أرجاء مدن (واو وملكال ومريدى) وهن فى المشهد يبدين (كعزارى الخيال) جئن الي الدنيا للتو يحملن معهن طهر ونقاء وعفة حوريات الجنة ،
وبينما اتأمل في المشهد توقفت عند تلك ( الغزالة السمراء) التى ترتع على ضفة (نهر الجور) فى نهار ملبد بالغيوم وتحت ذخات المطر حيث كان المشهد يدفعك لأن تطوف بالخيال فى تلك البقاع وهى تربط قطعة القماش على خصرها وعلي صدرها تتدلي حبات الخرز المنسوج بعناية وحب وتتمايل مع الإيقاع كأنها فرع أبنوس تداعبه رياح الخريف البارد فيبتسم للسعات البرد حباً وهياماً وتمنى.
صديقى أتيم أعتقد أن هذا المهرجان يشبه روح دريك الفريد بتفاصيله ويومياته وفقراته التى أشرفت عليها انت وزملائك الذين شاركوا معك فى تنظيمه وهو إمتداد لنقاشات عميقة إنطلقت منذ زمن مبكر ترمى إلى إعادة كتابة تاريخ جنوب السودان (سياسياً وثقافياً) وتلك الأشياء لا تنفصل عن حياة الناس ونضالاتهم الطويلة من أجل نيل حقوقهم.
صديقى أعرف إنك تريد أن تسألني عن الخرطوم وكيف تبدو لذلك كنت منذ البداية لا أريد ان أشغلك بها ولكن هنا مازال النخب يرفضون النقاش حول بناء وطن يسع الجميع بل المدهش حتى القوى الديمقراطية التى كانت تعمل معنا من أجل تحقيق العدالة والمواطنة تخلت عن تلك القيم وهى الآن ترفض حتى وجود تلك المطالب فى أجندة النقاشات التى يقودها الوسطاء بهدف بناء وطن يقوم على أساس كيف يحكم السودان وليس من يحكم .
ظلت هذه القوى تختبئ خلف السفير الأمريكى الذى هو الآخر يعتقد أن الحل فى (شوارع الخرطوم الثلاثة) وأن الثورة فقط إنطلقت من مدن الخرطوم الثلاثة وسكانها يمثلون أهل المصلحة وأعتقد أن الخواجة لم يقرأ صفحة من كتاب الثورة التى تفجر غضبها منذ (63) عاما نسى الخواجة أو تجاهل عن عمد مطالب العدالة والمساواة بين السودانين وأن من حق الآخرين أن يكونوا آخرين.
ياصديقى أن النخب السياسية هنا مازالت تمارس عاداتها القديمة فى نقض العهود وهى تختبئ خلف سفير الولايات المتحدة وتشير له قائلة لا نريد الحديث عن السلام ولا نريد الحديث عن القضايا القومية فقط سلمنا الأمر تحت مسمى (قوى الثورة) ونست هذه القوى أن الثورة التى انطلقت منذ (63) عاما كانت لها مطالب يجب أن تناقش وتعتمد إذا هم فعلا يريدون دولة وأحدة وحتى لا يلج الناس لخيارات أخرى ظلوا يقدمون من أجلها ملايين الشهداء والجرحى منذ مائة عام.
والآن فى إعتقادى هناك فرصة تتمثل فى المصالحة الشاملة والمؤتمر الدستورى الذي يضع معالم حكم البلد ويطوى صفحة المظالم التاريخية ومن خلاله يكتب كيف يحكم السودان واذا لم تاتى تسوية السفير الامريكى التي لم تعلن بعد بهذا فحتماً سيثور الناس مجددا ً،
وسلام ياصاحبي.