Uncategorized

الزين عبد العزيز يونس بركه يكتب ليسوا ضحايا فقط: الشباب في معركة العُمران بعد النزاعات



حين تضع الحرب أوزارها، تُركَن البنادق جانبًا، وتُطوى رايات القتال، تبقى آثارها محفورة في الجدران، والوجوه، والقلوب. لكن ما لا يُمحى في السودان بسهولة هو ذلك الفراغ الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي تتركه النزاعات خلفها.
وفي وسط هذا الركام، ينهض الشباب، لا باعتبارهم ضحايا فقط، بل بوصفهم الفاعلين الأوائل في إعادة البناء وصياغة مستقبل أكثر إشراقًا.

أولاً: الشباب ركيزة النهوض من الركام
السلام ليس فقط اتفاقاً بين القادة بل ثقافة تصنعها الناس.
الشباب ليسوا فقط المتضررين من الحروب، بل هم القوة الكامنة التي يمكن أن تُحدث التغيير الحقيقي.
طاقاتهم، إبداعهم، وحماسهم عوامل تجعلهم في مقدمة القوى المجتمعية القادرة على تجاوز تبعات الحروب.

ولعلنا نجد في قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

“قيمة كل أمرئ مايُحسنه”

دعوة صريحة إلى استثمار قدرات الشباب، وتمكينهم، ومنحهم فرص الإسهام الحقيقي.


ثانياً: دورهم في بناء السلام المجتمعي

بعد كل حرب، تتشظى الثقة بين أفراد المجتمع، ويصبح التعايش عبئًا ثقيلاً.
هنا، يلعب الشباب دورًا مهمًا في بناء الجسور بين الأطراف المتنازعة، وفي تفعيل الحوار، ورفض روايات الكراهية والتعصب.

المبادرات الشبابية في المصالحة، وإحياء ثقافة التعايش، والمشاركة في برامج العدالة الانتقالية، كلها أدوات تجعل من الشباب حَماةً للسلام لا مجرد متلقين له.

ثالثاً: الريادة الاجتماعية والتنموية

لا يمكن الحديث عن بناء مجتمع ما بعد الحرب دون التطرق إلى الاقتصاد والتنمية.
فالشباب بإمكانهم قيادة مشاريع ريادة الأعمال، وإطلاق مبادرات محلية تسد الفجوات في الخدمات، وتخلق فرص عمل، وتحيي الأمل في بيئة طالها الخراب.

وفي هذا السياق، يمكن الاستلهام من تجربة رواندا بعد الإبادة الجماعية، حيث كان للشباب دور محوري في النهوض الاقتصادي والاجتماعي.

رابعاً: تعليم مختلف، برؤية مختلفة.
بعد الحرب، لا يكفي أن نعيد فتح المدارس.
بل نحتاج لتعليم يعالج الجراح، ويعيد بناء الثقة، ويُكسب المهارات، ويُرسّخ قيم المواطنة واللاعنف والتعايش.
كما أن دمج قيم السلام، والمواطنة، والتسامح في المناهج الدراسية، يشكل خطوة جوهرية في بناء مجتمع سلمي متماسك.

خامساً: الإعلام وصناعة الوعي الجديد

من أخطر ما تخلّفه الحروب، ليس الدمار المادي فحسب، بل الدمار الذي يصيب الوعي.
وهنا، يجب أن يكون الإعلام أداة تحفيز، لا أداة تخدير.
وعلى الشباب أن يشاركوا في خلق محتوى إعلامي يعكس قصص التعافي، ويُبرز مبادرات الأمل، ويعيد تشكيل الهوية الجمعية على أسس من القوة لا من الضعف.
إنّ إعادة بناء المجتمعات بعد الحروب لا تكون بعودة الخدمات فقط، بل بنهوض الوعي، وتكاتف الجهود، وخلق معنى جديد للوجود.
والشباب هم طليعة هذا البناء.
فإذا أُحسن تمكينهم، وتوفير البيئة الداعمة لهم، فإنهم قادرون على إعادة الحياة من تحت الأنقاض، ليس فقط حياة جديدة، بل حياة تحمل في طياتها دروس الماضي، وطموحات المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى