
شركة أسلحة تركية ساعدت في تأجيج الحرب الأهلية الوحشية في السودان، قامت بتهريب الأسلحة سرًا إلى الجيش السوداني وفقًا للسجلات
واشنطن بوست – ترجمة ـ
تكشف مجموعة من الوثائق والاتصالات التي حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” كيف قامت شركة تركية بتهريب الأسلحة سرًا إلى الجيش السوداني، تم تسليم شحنة سرية من الطائرات المسيّرة والصواريخ التركية إلى الجيش السوداني في سبتمبر، وكان فريق من شركة “بايكار”، أكبر شركة دفاعية في تركيا، متواجدًا على الأرض لضمان إتمام الصفقة بسلاسة. وبمجرد تشغيل الطائرات المسيّرة، أرسل أحد موظفي بايكار سلسلة من الرسائل إلى رئيسه:
“هجوم اليوم”، كتب في 12 سبتمبر، إلى جانب مقطع فيديو لضربة جوية استهدفت مبنى غير مكتمل من الخرسانة.
“الهجوم الثاني”، كتب بعد ثلاثة أيام، بينما كانت صواريخ تضرب واجهة مستودع كبير.
في مقطع فيديو آخر، يظهر شخص يسير عبر الإطار قبل ثوانٍ من الانفجار.
تم توثيق هذا التبادل غير العادي من خلال مجموعة من الرسائل النصية والتنصتات الهاتفية، والصور والفيديوهات، ووثائق الأسلحة، وسجلات مالية أخرى حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” وتم التحقق منها جزئيًا باستخدام سجلات الهواتف، وسجلات التجارة، وبيانات الأقمار الصناعية.
تكشف هذه المجموعة من الوثائق، بتفاصيل مذهلة، كيف قامت شركة دفاعية تركية ذات نفوذ كبير بتمويل الحرب الأهلية المدمرة في السودان، التي استمرت لمدة 22 شهرًا وأدت إلى ما تصفه الأمم المتحدة بأنه أسوأ كارثة إنسانية في العالم. كما توضح كيف بنت صناعة الدفاع التركية علاقات مع طرفي النزاع.
شركة “بايكار”
وفقًا لعقد وشهادة المستخدم النهائي التي اطلعت عليها “واشنطن بوست”، أرسلت “بايكار”، المملوكة جزئيًا لصهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أسلحة بقيمة 120 مليون دولار على الأقل إلى الجيش السوداني العام الماضي، بما في ذلك ثماني طائرات مسيّرة من طراز TB2 ومئات من الرؤوس الحربية. وقد أكد ذلك من خلال رسائل ووثائق تتبع الرحلات الجوية.
تعتبر بايكار المورد الرئيسي للطائرات المسيّرة للجيش التركي، وأكبر مصدر دفاعي في البلاد. يمكن لطرازها المتقدم TB2 حمل أكثر من 300 رطل من المتفجرات، وهو مصنوع باستخدام العديد من المكونات الأمريكية الصنع.لم تستجب بايكار، ولا الجيش السوداني، ولا الحكومة السودانية لطلبات التعليق.
الدور التركي في الحرب السودانية
تم الإبلاغ سابقًا عن وجود أسلحة تركية في ساحة المعركة السودانية، لكن لم يكن ذلك بمثل هذا التفصيل، الذي يكشف عن هوية الوسطاء، وحجم الشحنات، وكيف تم تسليمها إلى منطقة نزاع نشطة رغم العقوبات الدولية.تظهر الوثائق أيضًا التسهيلات التي يبدو أن السلطات السودانية تقدمها للشركات الأجنبية مقابل المساعدة العسكرية، مما يمنح لمحة نادرة عن عالم صفقات الحروب المظلمة.
تطورت الحرب في السودان تدريجيًا إلى صراع بالوكالة بين قوى خارجية مثل روسيا وإيران، ومع ذلك، لم يُسلَّط الضوء كثيرًا على الدور التركي.
تورط قوى إقليمية أخرى
في المقابل، كشف تقرير مرصد النزاع السوداني في أكتوبر الماضي أن إيران كانت تزوّد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة سرية كما قالت منظمة العفو الدولية العام الماضي إن الأسلحة الصغيرة التي أرسلتها شركات روسية إلى السودان يتم استخدامها من قبل المقاتلين على الجانبين.
المنافسة الإقليمية على الموارد السودانية
تظهر الوثائق أيضًا أن المنافسة بين الحكومات الإقليمية للحصول على الغنائم الاقتصادية للحرب أصبحت أكثر حدة.
خلال مناقشات أعقبت صفقة بيع الطائرات المسيّرة، أخبر مسؤولو بايكار زملاءهم أن قادة الجيش السوداني كانوا يفكرون في منح الشركات التركية امتيازات للوصول إلى مناجم النحاس والذهب والفضة، وفقًا لوثائق الشركة. كما تم تقديم حقوق تطوير ميناء أبو عمامة على البحر الأحمر، وهو ميناء رئيسي، وتسعى إليه أيضًا روسيا.
في الشهر الماضي، أعلن وزيرا الخارجية الروسي والسوداني التوصل إلى اتفاق يسمح لروسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان، مما يمنحها موطئ قدم استراتيجي على البحر الأحمر.
خرق العقوبات الدولية
يبدو أن شحنات بايكار إلى الجيش السوداني تنتهك عدة جولات من العقوبات الأمريكية والأوروبية، مما يسلط الضوء على المخاطر التي تواجهها الشركات التركية أثناء محاولتها توسيع نفوذها في إفريقيا. في أكتوبر الماضي2024 ، صوّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع على تمديد حظر الأسلحة المفروض على دارفور، لكنه لم يتخذ أي إجراءات ضد القوى الخارجية المتهمة بانتهاك هذا الحظر.
“لا ينبغي لأي دولة أن تؤجج الحرب الأهلية في السودان أو تجني الأرباح منها”، قال السيناتور كريس فان هولين ديمقراطي – ماريلاند، وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.
تأتي هذه الاكتشافات في وقت حساس بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي غالبًا ما كان على خلاف مع الولايات المتحدة خلال عقدين من حكمه. مؤخرًا، عرض أردوغان استضافة محادثات سلام بين روسيا وأوكرانيا، وسط تدهور العلاقات بين كييف وإدارة ترامب، كما يسعى إلى تعزيز النفوذ التركي في العراق وسوريا على حساب إيران.
النفوذ التركي في القرن الإفريقي
عمل أردوغان أيضًا على توسيع الروابط العسكرية والدبلوماسية لتركيا عبر منطقة القرن الإفريقي المضطربة. وهو داعم قوي لجماعة الإخوان المسلمين، التي ترتبط بتحالف وثيق مع الجيش السوداني وتُعارضها الإمارات.
في مكالمة هاتفية بتاريخ 13 ديسمبر مع الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، عرض أردوغان “التدخل لحل النزاعات بين السودان والإمارات”، وفقًا لملخص رسمي للمكالمة. لكن الوثائق المسربة تظهر أنه في الوقت الذي كانت فيه أنقرة تروج لنفسها علنًا كوسيط، كانت شركات الدفاع التركية ذات الصلات الحكومية تتعامل مع الجيش السوداني والمجموعات الإسلامية ذات الارتباط بتركيا والرئيس أردوغان.
تفاصيل صفقة الأسلحة التركية إلى الجيش السوداني
عُقدت صفقة الأسلحة بين شركة بايكار والوكالة السودانية لشراء المعدات العسكرية، المعروفة باسم نظام الصناعات الدفاعية (DIS)، في 16 نوفمبر 2023، أي بعد خمسة أشهر من فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على DIS. لم تتمكن واشنطن بوست من تأكيد تاريخ التوقيع بشكل مستقل.
تضمن العقد:
ـ ( 600) رأس حربي
ـ (6) طائرات مسيرة من طراز TB2
ـ (3) محطات تحكم أرضية
ـ (48) شخصًا لتسليم الأسلحة وتقديم الدعم الفني داخل السودان
ـ وتم تسليم طائرتين مسيرتين إضافيتين في أكتوبر، واستمرت شحنات الأسلحة خلال نوفمبر.
ـ وقع العقد مرغني إدريس سليمان، المدير العام لـDIS، والذي فرضت عليه واشنطن لاحقًا عقوبات شخصية لدوره في صفقات الأسلحة التي ساهمت في وحشية الحرب واتساع نطاقها.
مسار تهريب الأسلحة
وفقًا للرسائل بين مسؤولي بايكار، وصلت أول شحنة ذخيرة جوًا في أغسطس 2024 إلى ميناء بورتسودان على ساحل السودان الشرقي. وأظهرت الرسائل أن آخر رحلة شحن وصلت في 15 سبتمبر2024. استخدمت واشنطن بوست بيانات طيران متاحة للجمهور لتحديد رحلتين جويتين تطابقان تلك الموصوفة في الاتصالات. وكلاهما تم عبر العاصمة المالية باماكو، وتم تشغيلهما بواسطة شركة الطيران Aviacon Zitotrans، وهي شركة خاصة روسية تم فرض عقوبات أمريكية عليها عام 2023 لكونها جزءًا من “آلة الحرب الروسية”.
تورط شخصيات رئيسية
بعد كل شحنة، كان أوزكان جاكير، وهو موظف متوسط المستوى في بايكار، يبلغ إشرف أفلياأوغلو، نائب رئيس الشركة للأعمال، بأن الطائرة قد وصلت وستتم إعادة توجيهها إلى شندي وعطبرة، وهما مدينتان بهما قواعد عسكرية شمال الخرطوم.
في 8 سبتمبر2024، أرسل جاكير إلى أفليا أوغلو صورة لنفسه مع البرهان. في الصورة، يظهر الاثنان بجانب أعلام سودانية، وعلى الطاولات الرخامية علب مناديل مطلية بالذهب.
خلال الأسبوع التالي، أرسل جاكير إلى رئيسه مقاطع فيديو للغارات الجوية، يبدو أنه صورها بهاتفه من داخل مركز قيادة عسكري. لم يرد جاكير ولا أفلياأوغلو على طلبات التعليق.باستخدام إحداثيات جزئية ظهرت على شاشة كاميرا الطائرة المسيرة، تمكنت واشنطن بوست من تحديد إحدى الضربات الجوية في قرية “حلة الدريسة”، على بعد حوالي 50 ميلاً شمال الخرطوم.
“لست بحاجة إلى عدد كبير من الطائرات المسيرة لقلب موازين الحرب — وهذه الطائرات قوية للغاية”، قال جاستن لينش، المدير العام لمجموعة Conflict Insights Group، وهي منظمة متخصصة في تحليل البيانات والأبحاث ساعدت في التحقق من صحة الوثائق باستخدام مصادر مفتوحة. “شهدنا تقدمًا كبيرًا لقوات الجيش السوداني خلال الأشهر القليلة الماضية. هذه الطائرات المسيرة جزء من تلك الاستراتيجية الناجحة.”
السودان يعتبر تركيا أكبر داعم له
أبلغت السلطات السودانية ممثلي شركة بايكار خلال اجتماع في 9 سبتمبر2024 أن “بهذه الخطوة، أصبحت تركيا الدولة التي دعمتهم أكثر من غيرها”، وفقًا لوثيقة داخلية من بايكار توثق المحادثات. وأشارت الوثيقة إلى أن الحكومة السودانية كانت ترغب في منح “إنشاء وإدارة ميناء أبو عمامة” للشركات التركية، وإلا فإنه “سيتم منحه للروس”.
ووفقًا لملخص اجتماع بايكار، أعربت السلطات السودانية أيضًا عن اهتمامها بالتعاون مع تركيا لاستغلال احتياطيات السودان من النحاس والذهب والفضة، وكذلك “منح تراخيص للشركات التركية للصيد البحري وإنشاء منشآت معالجة الأسماك”.
الدعم العسكري التركي يثير قلق قوات الدعم السريع
قال محمد المختار، مستشار قوات الدعم السريع، انهم طلبوا معلومات من وزارة الخارجية التركية بعد حصول الجيش السوداني على طائرات TB2 المسيرة، التي وصفها بأنها “حاسمة في انتصارات الجيش الأخيرة”.
وأضاف: “قالوا لنا إنها لم تأتِ من تركيا.” وتابع: “قالوا ربما جاءت من دولة أخرى اشترتها من تركيا. لم يذكروا اسم الدولة.”
جاريد لاي وجون هدسون ساهموا في إعداد هذا التقرير.
المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والدراسات الاستخباراتية، ألمانيا وهولندا – ECCI