Uncategorizedالرأي

الطيب الهادي يكتب : الشعب السوداني ما بين هشاشة الوحدة الزائفة وملامح الانفصال البائنة: حرب 15 أبريل نموذجاً


لسنوات طويلة، كان يُشار إلينا – نحن السودانيين – كأناس يحملون طينة مختلفة. شعب ودود، متسامح، كريم، مضياف، يملأ الدنيا سُمعة طيبة. في مطارات العالم وأسواقه، نُقابل بالابتسامة حين يُعرف أننا سودانيون. لماذا؟ لأننا صنعنا صورة ذهنية جميلة، فيها من الطِيبة أكثر مما فيها من السياسة.

لكن، يا للأسف… هذه الصورة تنهار بالكامل عند أول اختلاف داخلي.

منذ عقود، ونحن نمارس العنف ضد بعضنا بأشكال مختلفة. من الجنوب الذي انفصل بعد سنوات من الحرب، إلى دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. لم نسأل أنفسنا يومًا: لماذا نلجأ للسلاح كلما اختلفنا؟ لماذا يتحوّل رفيق النضال بالأمس إلى عدو اليوم؟ ولماذا نرى في الآخر خصمًا يجب سحقه، لا مواطنًا يجب الاستماع إليه؟

وحين جاءت حرب 15 أبريل… سقط القناع الأخير.

تحوّلت العاصمة إلى ساحات قتال، لا بين قوتين متقاتلتين فقط، بل بين جيران وأصدقاء وأبناء وطن واحد. بلغنا درجة من الانحدار الأخلاقي جعلت البعض يُرسل إحداثيات بيت جاره للطيران ليقصفه او التبليغ عنه ليتم إعتقالة وزبحة وتصفيتة عبر كتائب البراء الإرهابية، غير آبه بأن في ذلك المنزل أطفال ونساء وشيوخ! بأي قلب يتم هذا؟ وأي عقل يُبيح مثل هذه الخيانة؟!

ثم نأتي للمفارقة الأعظم: الرجل الذي كان نائبًا لرأس الدولة، يتحدث باسم السودان، ويمثل السلطة، يُختصر فجأة إلى “مليشيا أجنبية”. نُزيّف التاريخ، ونغسل أيدينا منه، ونقول: لم يكن منّا! وكأن ما حدث لم يكن نتيجة تآكل داخلي طويل في الثقة، في القيم، وفي الوحدة.

الوحدة السودانية لم تكن حقيقية… كانت هشّة، مُحمّلة بمخاوف مكتومة، ومشاعر دونية، وأحقاد لم تُحلّ.

ما جمعنا – للأسف – لم يكن شعورًا صادقًا بالمصير الواحد، بل كان نظامًا مركزيًا بالقوة، يُخفي الشروخ ولا يعالجها. فحين انهارت الدولة المركزية، خرجت هذه الشروخ للعلن: صراع جهويات، خطاب كراهية، تصنيف الناس حسب قبائلهم، وشيطنة الآخر حتى لو كان جارك.

فهل يمكن أن نُعيد بناء السودان؟ نعم، لكن بثمن.

نحتاج لمصارحة وطنية كاملة. نحتاج للاعتراف بأننا فشلنا في خلق وطن للجميع، وأن الهوية السودانية بحاجة إلى إعادة تعريف. نحتاج أن نُعلّي من قيمة الإنسان، لا القبيلة. من فكرة المواطنة، لا الانتماء العرقي أو السياسي. نحتاج أن نُربّي أبناءنا على احترام الاختلاف، لا استعدائه.

حرب 15 أبريل ليست النهاية… لكنها إنذار أخير.

إما أن نُعيد ترتيب بيتنا السوداني، على أسس جديدة قائمة على العدالة والاعتراف، أو نُسلّم أنفسنا لتقسيم لا رجعة فيه، حيث تصبح كل جهة “دولة”، وكل قبيلة “جيش”، وكل بيت “متراس”.

الوحدة ليست مجرد علم ونشيد… بل قناعة في القلب، وإرادة سياسية، وثقافة مجتمعية.

هل نملك الشجاعة لنبدأ من جديد؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى