
فاطمة لقاوة تكتب دور المرأة السودانية بين التمييز الممنهج والذكورية المفرطة: هل يقع قادة التأسيس في مصيدة الماضي؟
منذ بزوغ فجر المقاومة السودانية في وجه المستعمر، كانت المرأة حاضرة بقوة، لا ككائن تابع أو هامشي، بل كفاعلٍ أساسي في ساحات النضال.
لم تكن رابحة الكنانية ومندي بت السلطان عجبنا مجرد رموز في التاريخ، بل كانت أسماؤهن عناوين عزة وشجاعة، وحروفهن منقوشة
على جدران الذاكرة الوطنية كأيقونات لمقاومة الاستعمار، ورفض التبعية، وقيادة التحولات المصيرية.
ومع فجر الاستقلال، برزت أسماء نسائية وازنة في الفعل السياسي والاجتماعي، ولعل فاطمة أحمد إبراهيم (السمحة)، تمثل نموذجاً فريداً في تصحيح مسار النظرة الذكورية التي طالما قزّمت المرأة السودانية.
كان لها دور طلائعي في تأسيس “الاتحاد النسائي السوداني”، ونجحت في أن تكون أول امرأة
عربية وأفريقية تدخل البرلمان عبر صناديق الاقتراع، ناقلةً نضالات النساء من الظل إلى دائرة الضوء. لكن ما تحقق في ستينيات القرن الماضي، سرعان ما تراجع، بفعل القبضة الذكورية التي استعادت المشهد لتعيد النساء إلى هامش الحدث، كمكملات لا كصانعات قرار.
اليوم، تواجه النساء السودانيات تحدياً مضاعفاً؛ فبعد كل هذه التضحيات والمكاسب، تراجعت مشاركتهن الفاعلة في مراكز القرار داخل الأحزاب والمؤسسات السياسية، وحلّت محلها نساء تم “صناعتهن” بعناية ليلعبن أدواراً شكلية تتماشى مع التصورات الذكورية السائدة.
خوف السياسيين من النساء القويات والفاعلات، دفعهم لتفضيل النماذج المُطيعة، الساكنة، التي لا تُحدث ضجيجاً، ولا تُطالب بحق.
الراهن السياسي الآن، لا يزال الوجود النسائي في مشهده انتقائياً ومحدود الأثر.
أغلب الأحزاب، إن شاركت المرأة، فهي تشارك بأقل ما يمكن، وغالباً كزينة لا كمصدر قرار، وهذا ما يهدد جدية التحولات المنشودة، ويضع علامات إستفهام على قدرة القوى السياسية على كسر الحلقة المفرغة التي همشت المرأة لعقود.
أما موقفي الشخصي، كإحدى النساء السودانيات الفاعلات، فهو نابع من قناعة حقيقية بدور الدعم السريع وقائده الفريق أول محمد حمدان دقلو، في تعزيز حضور المرأة ومنحها الفرص للمشاركة الفعلية استناداً إلى الكفاءة لا الولاء،لقد شهد الخصوم قبل الأصدقاء بأن دقلو أظهر اهتماماً واضحاً بقضايا النساء، وسعى لتحسين أوضاعهن دون تمييز أو تهميش،وهذه النقطة تمثل فارقاً حقيقياً يجب أن يُبنى عليه في كل مسار قادم.
إن تحالف التأسيس، الذي ينتظر السودانيون إعلانه الرسمي، هو فرصة تاريخية لاختبار مدى نضج الفاعلين السياسيين وقدرتهم على القطع مع إرث التمييز الممنهج. فالمطلوب اليوم ليس فقط حضور نسائي شكلي، بل الدفع بنساء قادرات على إدارة الحوارات،
والمساهمة في صياغة رؤى سياسية متكاملة تنبع من واقع النساء في الريف والحضر على حد سواء.
ورش العمل والحوارات المنظمة، يجب أن تكون أدوات بناء لمشاركة حقيقية لا منصات تجميل.
تحتاج النساء في تحالف التأسيس أن يُمنحن المساحة لاختيار من يمثلهن في الهياكل القيادية، دون وصاية أو إملاء، بعيداً عن النزعة الذكورية التي عطّلت التغيير لعقود. فالوقت لا يحتمل التردد، والتاريخ لن يرحم من يكرر أخطاء الماضي.
ختاماً، نقولها بوضوح: لن يكون هناك تغيير حقيقي ما لم يُحترم الزمن وتُحترم المرأة. لقد علمتنا الثورات أن المفكرين يصنعونها، والشجعان يضحون من أجلها، لكن الانتهازيين غالباً ما يحصدون ثمارها، وما أكثرهم اليوم.
ويبقى السؤال الجوهري قائماً:
هل سيتحرر قادة تحالف التأسيس من سطوة الذكورية والتمييز الممنهج، أم أنهم سيقعون في فخ الماضي، ويعيدون إنتاج ذات المعضلات؟.
الأحد،١يونيو/٢٠٢٥م