Uncategorizedالرأي

فاطمة لقاوة تكتب السودان بين نيران الحرب وفرص السلام


تجاوزت الحرب السودانية عامها الثاني، ولا تزال البلاد تغرق في مستنقع من العنف، والتشريد، والإنهيار الاقتصادي،إلاَّ أن خلف دخان المعارك، يتبلور سؤال مركزي بات يتردد في الأوساط السياسية والدبلوماسية: هل بدأت ملامح الحل السياسي تظهر؟ وهل يمكن فرض السلام على الطرف المتعنت!
لإنهاء المأساة التي يعيشها السودانيون يوميًا؟
اجتماع الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر) في واشنطن مطلع يونيو الجاري، حمل إشارات مهمة على أن المجتمع الدولي بدأ يتحول من مربع “القلق” إلى مربع “الضغط”، لكن يبقى جوهر الصراع الداخلي هو المحدد الرئيسي لمستقبل السودان.
ما يجري في السودان ليس صراعًا تقليديًا على السلطة فحسب، بل هو في جوهره صراع بين مشروعين
متناقضين:
الأول، مشروع التحول الديمقراطي والدولة المدنية، والذي بدأت ملامحه في أعقاب الثورة الشعبية عام 2019، ووجد دعمًا ملحوظًا من قيادة قوات الدعم السريع، خاصة من القائد محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي أعلن التزامه العلني بالتحول الديمقراطي، وإلتزم بالإيفاء بما وقّع عليه في الاتفاق الإطاري.
أما المشروع الثاني، فهو مشروع الدولة العسكرية العقائدية، الذي
يقوده تيار الإسلاميين داخل الجيش السوداني والنخب التي تريد الحفاظ على إمتيازاتها التاريخية من خلال الدولة المركزية العميقة، وهؤولاء عملوا بجهد منظم لإجهاض عملية الانتقال، عبر التمكين داخل المؤسسة العسكرية، وتحالفات سياسية وأمنية أعادت رموز النظام السابق إلى المشهد من جديد.
بحسب مراقبين ومصادر دبلوماسية، فإن الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 لم تكن مفاجئة بقدر ما كانت خطوة مخطط لها مسبقًا من قبل الدوائر المناوئة للاتفاق الإطاري، وعلى رأسها تيار الإسلاميين المتشدد داخل القيادة العامة للجيش.
الهدف كان واضحًا:
* إزاحة الدعم السريع من المشهد العسكري والسياسي،
* إضعاف حميدتي ومن حوله ممن أظهروا انفتاحًا على التحول المدني،
* وإعادة تشكيل النظام وفق تصورات الإسلاميين القديمة،والمنتفعين .
في سلسلة جولات تفاوضية، بدءًا من محادثات جدة، مرورًا بسويسرا والمنامة، بدا التباين واضحًا بين مواقف الأطراف:
* قوات الدعم السريع أبدت انفتاحًا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ووافقت على مقترحات لوقف إطلاق النار،
* والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، والدخول في ترتيبات انتقالية مدنية.
* في المقابل، تكررت انسحابات وفد الجيش من المفاوضات، وظهرت مواقف متشددة من قيادات داخلية ترى في أي اتفاق نهايةً لمشروعها السياسي والأيديولوجي.

الأوساط الدولية – بحسب ما تسرب من تقارير دبلوماسية – باتت تدرك أن التعنت يأتي من جانب قيادة الجيش، لا من الدعم السريع.
إجتماع الرباعية في واشنطن أشار لأول مرة بوضوح إلى أن الحل العسكري غير ممكن، وأن الصراع يُهدد الأمن الإقليمي والمصالح الدولية، ما يعني تحوّلًا في نبرة الخطاب الدولي.
لكن يبقى السؤال الأهم:
هل تملك الرباعية قوة رفع العصا لفرض تسوية سياسية؟
المطلوب ليس مجرد بيانات دبلوماسية، بل خطوات عملية،
تشمل:
– فرض وقف فوري لإطلاق النار دون شروط مسبقة؛
– عزل العناصر المتشددة التي تعرقل الحل داخل المؤسسة العسكرية؛
– دعم عملية انتقال سياسي شاملة، تشمل القوى المدنية والدعم السريع وكل من يلتزم بالتحول الديمقراطي.
• الحرب دمّرت السودان، لكنها أيضًا عرّت كثيرًا من المواقف والمشاريع.
اليوم، تملك قوات الدعم السريع خطابًا أكثر انفتاحًا، وإرادة سياسية حقيقية للسلام، بينما يبدو الطرف الآخر ممسكًا بخيار الحرب تحقيقا لشعارهم المُحبب”أو تُرق كُل الدِماء”، متحصنًا بخطاب يفتقر لأي رؤية ديمقراطية.
السودانيون دفعوا ثمناً باهظًا، ويستحقون أن يُفرض السلام، لا أن يُطلب برضا المتشددين.
إن لم يُفرض الحل، فإن الطريق إلى دولة مدنية حقيقية سيبقى مؤجلًا، والشعب سيبقى هو الضحية الأكبر.
ولنا عودة بإذن الله
الإثنين،٩يونيو/٢٠٢٥م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى