
رئيس المجلس الاستشاري للقائد قوات الدعم السريع حذيفة أبونوبة ينعي الناظر الشوين
رحيل الناظر عبد المنعم موسى الشوين: فقد رجل دولة من طراز نادر
في صباح الإثنين ، أسدل الموت ستاره الثقيل على رجل من أولئك القلائل الذين يشهد لهم الزمان بالهيبة والحنكة، ورحل الناظر عبد المنعم موسى الشوين، ناظر عموم المسيرية الفلايتة، تاركاً فراغاً في الوجدان الجمعي لقبيلته، وللسودان بأسره، الذي يفتقد اليوم ركناً من أركان الحكمة والتوازن، في لحظة وطنية متصدعة تحتاج لمن يشبهه.
لقد عرفت الناظر عبد المنعم موسى الشوين لا فقط كناظر عموم، بل كصاحب سيرة عامرة بالكرم والمروءة والشجاعة، رجلٌ إذا جلس في مجلس ألزم الناس الصمت احتراماً لحديثه، وإذا نطق، لامست كلماته العقل قبل القلب، بفضل درايته العميقة بتعقيدات الحياة الاجتماعية والسياسية في السودان، وحنكته التي لم تكن تُشترى في مدارس، بل نضجت في ميدان القبيلة، وساحات الوساطة، ومجالس العرف.
كان الفقيد عنواناً مضيئاً للمروءة والمصالحة، فارساً لا يتردد في قول الحق، وبيته مضافة دائمة لكل عابر، ومحراب للصلح بين الخصوم، ومرفأ لأبناء الوطن من مختلف جهاته. لم يكن ناظراً لقبيلة فحسب، بل كان رمزاً للمسيرية جميعاً، وإحدى الركائز التي حفظت التوازن في منطقة تعج بالصراعات والنزاعات، وكان صوته عالياً في كل قضايا الوطن، منحازاً دوماً للسودان الواحد المتصالح مع تنوعه، الرافض للفتن.
لقد عُرف عن الناظر عبد المنعم قربه من صناع القرار، ولكنه لم يكن يوماً أسير مصلحة أو محسوباً على جهة بعينها، بل كان أقرب للضمير الجمعي، ولهذا كان من أوائل من وقفوا علناً إلى جانب القائد العام لقوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، حين اشتدت المحن وتكاثفت المؤامرات، وكان يصفه بأنه “هدية السماء للشعب السوداني”، ومضى أبعد من ذلك حين قال ذات مرة: “أشهد لله، هذا الابن حميدتي جاءنا بصدق النية وبياض اليد”.
في لحظة غياب كبار القادة، وانحدار البعض نحو النزاع والعصبيات، كان الناظر عبد المنعم يمثل ذلك الصوت العاقل الذي لا يصرخ، لكنه يُسمع. لم تكن وساطاته تؤسس على القوة، بل على الاحترام، ولم يكن حضوره طاغياً في الجغرافيا فقط، بل في الوجدان، وذاكرة الناس.
إن فقدان الناظر عبد المنعم موسى الشوين ليس شأناً يخص المسيرية وحدهم، بل هو فقدٌ لسودان بأكمله ، فقدنا رجلاً من طراز نادر، كانت تقاليده أصيلة، ومجالسه مدرسة، ومواقفه شهادة على زمن الرجولة والعزة ، لا يُرثى رجلٌ كهذا بكلمات، بل بعهود نقطعها أن نكمل مسيرته، وأن نحفظ إرثه من الضياع.
لروحه الرحمة والسكينة، ولأهله الصبر والسلوان، ولنا في فقده الحزن العميق، ولكن العزاء أن الرجال العظام لا يرحلون كلياً، بل يسكنون في المواقف والقيم، وفي الذاكرة التي لا تموت.
إنا لله وإنا إليه راجعون.