Uncategorizedالرأي

فاطمة لقاوة يكتب احذروا الحليم إذا غضب


في لحظةٍ نادرة تكشف ما وراء هدوء العارفين، تحدث الدكتور عبد الله حمدوك في ندوة “صمود” بجنوب أفريقيا، فكان صوته أقرب إلى جرس إنذار منه إلى خطاب أكاديمي.
لا لأن الرجل تغيّر، بل لأن المشهد تغيّر حتى ضاق بصبره الطويل.
لكن، وقبل أن يُرفع الهتاف باسمه أو تُعاد كتابة الأساطير حول تجربته، لا بد من كلمة صدق: نحن لسنا ضد حمدوك، ولسنا من أولئك الذين يشوهون الرموز ليصنعوا مجدهم على أنقاضهم، ولكننا كذلك لسنا من الذين يصفقون وهم يعلمون أن النار تحت الرماد.
في حكومته السابقة، لم يكن الخلل في شخص حمدوك، بل في بعض الوزراء الذين أحاطوا به، ممن أساءوا التصرف وخذلوا الشعب في أهم معاركه.
وزراء زينوا الطاولة بخطب التنوير، لكنهم فشلوا في إدارة الحد الأدنى من أزمات الخبز والدواء والسلام.

كانوا أكثر انشغالاً بـ”المنابر” من الميادين، وأكثر براعة في لغة الإقصاء من خطاب البناء.
حمدوك، العالم الرصين، وقع ضحية تقدير حسن لنوايا من لا نوايا لهم سوى التمكين أو الوجاهة.

ما نريده اليوم ليس رجلاً قادراً على قول الحقيقة فقط، بل طاقماً وزارياً تنقراطياً مؤهلاً، لا يضيع المعركة بالثرثرة الإعلامية، ولا يشعل الحرائق بخطاب الكراهية.
المرحلة القادمة ليست ساحة خطابة، بل غرفة طوارئ لإنقاذ وطن يحتضر.
حضور حمدوك في ندوة “صمود” التي تُنظمها مجموعات مناهضة للحرب في جوهانسبرغ يثير كثيراً من التساؤلات.
الندوة في ظاهرها تحمل روح المقاومة المدنية، لكن في باطنها لا تزال تحتوي على وجوه تتماهى مع نخبة بورتسودان، أو تتعاطى معها كحبل نجاة سياسي.
هناك من في “صمود” ما زال يهادن، يساوم، ويعيش على فتات الامتيازات المرتبطة بوجود عصابة بورتسودان.
هذا، ببساطة، يضعف موقف حمدوك، ويشوّش صورته أمام الجماهير التي لا تقرأ الخطب فقط، بل تتابع من يصفق لمن، ومن يجلس إلى جانب من.

إن الحليم إذا غضب، لا يعود كما كان،ورسالة الجماهير واضحة: لا نريد أن نُلدغ من جحر النخبة مرتين.
حمدوك وحده لا يكفي،وشرعيته، التي لا تزال قائمة على احترام الناس له، يجب أن تُستكمل بتحالف عضوي مع الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) والرفيق عبد العزيز الحلو.
هؤلاء لا يمثلون أطرافاً سياسية فحسب، بل يمثلون شرعيات ثورية قائمة على الدم والتضحية.
حميدتي لم يأتِ من نُزل
السياسيين، بل من الميدان، حيث تُصنع الجغرافيا من جديد،والحلو، بصلابته الفكرية والسياسية، يقدم رؤية مدنية تُعبّر عن عمق الأزمة وضرورة الحل الجذري.
التكامل بين هذه الشرعيات هو الطريق الوحيد لإنقاذ ما تبقى من السودان.
أي حديث آخر عن “حكومة تكنوقراط بعيدة عن القوى المسلحة” هو خرافة مثقفين يُحبّون الرطانة ويكرهون الواقع.
يا دكتور حمدوك، نحن معك حين تُحسن التقدير، لا حين تساير العواطف.
نحن معك حين تختار الوطن لا الصالون،ونذكّرك: ليس كل من صفق لك في المنفى يريدك قائداً في الخرطوم.
وإياك أن تظن أن الناس نسيت، ولكنها فقط كانت تنتظرك ،أن تغضب.
ولنا عودة بإذن الله
الخميس،٢٦يونيو/٢٠٢٥م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى