
ماذا قالت المنظمة الإفريقية الأوروبية عن ميثاق تاسيس
المنظمة الإفريقية الأوروبية للعمل الإنساني والتنمية
نحو عقد اجتماعي جديد: قراءة في الميثاق التأسيسي السوداني 2025
24 فبراير 2025
يُعد الميثاق التأسيسي السوداني 2025 وثيقة محورية في مسار إعادة بناء الدولة السودانية، ويعكس التزام القوى السياسية والمجتمعية الموقعة عليه بضرورة التأسيس لنظام حكم جديد يُنهي عقودًا من الصراعات السياسية والعسكرية التي أرهقت البلاد. تستند الوثيقة إلى مبادئ الديمقراطية، العدالة، المساواة، وحقوق الإنسان، وتؤكد على أهمية إعادة هيكلة الدولة على أسس حديثة تعكس التعددية والتنوع الثقافي والاجتماعي للسودان. من خلال تبني رؤية شاملة لمعالجة جذور الأزمات، يسعى الميثاق إلى وضع خارطة طريق واضحة لتحقيق الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة.
تُرحب المنظمة الإفريقية الأوروبية للعمل الإنساني والتنمية بهذه الوثيقة باعتبارها خطوة ضرورية لإرساء دعائم السلام والعدالة في السودان، ولكنها في الوقت ذاته ترى أن نجاحها يعتمد على توافر الإرادة السياسية لتنفيذها، ووجود آليات واضحة لضمان تطبيق المبادئ التي وردت فيها. إن المنظمة الإفريقية الأوروبية تدرك أن الصراعات السودانية ليست مجرد نزاعات سياسية أو عسكرية، بل هي انعكاس لمشكلات هيكلية تتعلق بتوزيع السلطة والثروة، والتمييز الاجتماعي، وضعف مؤسسات الدولة. ومن هذا المنطلق، فإن أي حل مستدام يجب أن يعالج هذه القضايا من جذورها.
يمثل الميثاق استجابة طبيعية للأزمات المتفاقمة التي شهدها السودان على مدى العقود الماضية، حيث تعرضت البلاد لسلسلة من الانقلابات العسكرية، الحروب الأهلية، والانقسامات السياسية التي حالت دون بناء دولة ديمقراطية حديثة. لذلك، يركز الميثاق على معالجة الأسباب العميقة للأزمة السودانية بدلًا من التعامل مع نتائجها فقط. إذ يدعو إلى إعادة بناء الدولة على أسس جديدة تكفل العدالة الاجتماعية وتضمن مشاركة جميع الأقاليم في إدارة شؤون البلاد بشكل عادل ومتوازن، وذلك من خلال إرساء نظام حكم ديمقراطي لامركزي يحد من التهميش الذي عانت منه العديد من المناطق السودانية لعقود طويلة.
تؤكد المنظمة الإفريقية الأوروبية للعمل الإنساني والتنمية أن أهمية هذه الوثيقة تكمن في قدرتها على وضع حد للأنظمة الاستبدادية التي حكمت السودان لعقود طويلة عبر العنف والقمع. ومن هذا المنطلق، تدعو المنظمة إلى تفعيل المبادئ التي نص عليها الميثاق، وخاصة فيما يتعلق بالفصل بين الدين والدولة، باعتباره شرطًا أساسيًا لتحقيق المساواة بين المواطنين. إن استغلال الدين في السياسة كان أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى تفكك الدولة السودانية، ومن هنا تأتي أهمية إرساء نظام مدني ديمقراطي يضمن الحقوق والحريات للجميع دون تمييز.
من بين القضايا الجوهرية التي يعالجها الميثاق مسألة إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية، حيث يؤكد على ضرورة إنهاء تعدد الجيوش والمليشيات المسلحة، وإعادة بناء مؤسسة عسكرية وطنية موحدة تعكس التنوع السوداني وتخضع بالكامل للسلطة المدنية. فالتجربة التاريخية في السودان أثبتت أن تعدد القوات المسلحة وارتباط بعضها بالولاءات السياسية والقبلية كان سببًا رئيسيًا في عدم الاستقرار، ولذلك يشدد الميثاق على وضع حد لهذه الظاهرة عبر إنشاء جيش محترف وغير مسيّس تكون مهمته الأساسية حماية حدود البلاد وصون الدستور دون التدخل في الحياة السياسية. كما ينص الميثاق على إصلاح الأجهزة الأمنية والشرطية لضمان حياديتها واستقلاليتها، بحيث تصبح مؤسسات مهنية تعمل وفق القانون وتحمي حقوق المواطنين بدلًا من أن تكون أدوات قمعية بيد السلطة الحاكمة.
تشير المنظمة الإفريقية الأوروبية للعمل الإنساني والتنمية إلى أن نجاح عملية إصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية يعتمد على وجود إرادة سياسية حقيقية، بالإضافة إلى دعم دولي وإقليمي يضمن تنفيذ هذه الإصلاحات على أرض الواقع. فالعديد من الدول التي شهدت صراعات مشابهة لم تتمكن من تحقيق استقرار مستدام إلا بعد إعادة بناء مؤسساتها الأمنية على أسس جديدة تضمن عدم تكرار انتهاكات الماضي.
الجانب الاقتصادي يحتل مكانة محورية في الميثاق، حيث يدعو إلى تفكيك الاقتصاد الريعي الذي استفاد منه النظام السابق، وإعادة توزيع الثروة الوطنية بصورة عادلة بين الأقاليم المختلفة. يهدف الميثاق إلى بناء اقتصاد منتج ومستدام قائم على الشفافية والعدالة الاجتماعية، مع ضمان الاستفادة العادلة من الموارد الطبيعية لصالح جميع السودانيين. كما يتبنى رؤية إصلاحية تهدف إلى استعادة الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد، وهو ما يُعد خطوة ضرورية لضمان الاستقرار الاقتصادي وخلق بيئة مواتية للاستثمار والتنمية.
في هذا السياق، تؤكد المنظمة الإفريقية الأوروبية للعمل الإنساني والتنمية أن الفساد وسوء الإدارة كانا من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تدهور الاقتصاد السوداني، ولذلك فإن أي محاولة لإعادة بناء الدولة يجب أن تشمل إصلاحًا جذريًا للقطاع الاقتصادي، مع ضمان الشفافية والمحاسبة في إدارة الموارد الوطنية. كما تدعو المنظمة إلى توفير برامج دعم اقتصادي للفئات الأكثر تضررًا من النزاعات، وخاصة النازحين واللاجئين، لضمان إدماجهم في العملية التنموية وإعادة بناء حياتهم.
يتضمن الميثاق التزامًا قويًا بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، حيث يؤكد على ضرورة احترام المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها السودان، وخاصة تلك المتعلقة بحماية حقوق الإنسان والعدالة الجنائية. تدعو المنظمة الإفريقية الأوروبية إلى ضرورة محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لتقديم المسؤولين عن الجرائم إلى العدالة. كما تنبه المنظمة إلى أهمية ضمان حماية المدنيين خلال النزاعات المسلحة، وهو ما يتطلب تفعيل آليات قانونية واضحة تمنع تكرار الجرائم التي شهدها السودان خلال العقود الماضية.
ورغم قوة الطرح الذي يقدمه الميثاق، ترى المنظمة الإفريقية الأوروبية للعمل الإنساني والتنمية أن هناك جوانب تحتاج إلى مزيد من الإبراز والتطوير، من بينها ضرورة وضع آليات تنفيذ واضحة تضمن تطبيق مبادئ الوثيقة على أرض الواقع. كما يتطلب الأمر إنشاء هيئات رقابية مستقلة تضمن عدم انحراف السلطة الانتقالية عن أهدافها، إضافة إلى وضع تصور عملي لإعادة توحيد السودان في ظل تصاعد النزعات الانفصالية. ينبغي أيضًا تعزيز مشاركة جميع القوى الوطنية في تنفيذ الميثاق، بحيث لا يصبح حكرًا على مجموعة سياسية دون غيرها، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة إنتاج الأزمات السابقة بدلًا من حلها.
في الختام، ترى المنظمة الإفريقية الأوروبية للعمل الإنساني والتنمية أن الميثاق التأسيسي السوداني 2025 يُشكل خطوة أساسية نحو بناء سودان جديد قائم على العدالة، المساواة، وحكم القانون. ومع ذلك، فإن نجاحه يعتمد على الإرادة السياسية لتنفيذه، وآليات رقابة صارمة تضمن عدم خروجه عن أهدافه الأساسية. تدعو المنظمة إلى ضرورة وضع خطة عمل واضحة لتنفيذ مبادئ الميثاق، بحيث لا يظل مجرد وثيقة نظرية، بل يتحول إلى برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي شامل يعكس تطلعات الشعب السوداني في بناء مستقبل مستقر وديمقراطي.
للتواصل:
البريد الإلكتروني: oaahd11@gmail.com
الموقع الإلكتروني: https://oaahd.org/ar
واتساب: +33 753936781