
الطيب الهادي يكتب قبول التحديات والتعامل مع المتغيرات: قراءة في مسار الحرب والتخطيط المستقبلي
في المعارك، لا يُقاس النجاح فقط بالانتصارات، بل بقدرة الأطراف على إدارة المواجهات بذكاء، والتعامل مع المتغيرات بمرونة. فالحرب ليست مجرد سلسلة من التقدمات العسكرية، بل هي صراع استراتيجي يتطلب إعادة التقييم المستمر للواقع واتخاذ القرارات المناسبة التي تضمن تحقيق الأهداف طويلة المدى. ومن أدمنوا الانتصارات يجب أن يتقبلوا الهزيمة إن حدثت، حتى وإن كانت في شكل انسحابات تكتيكية محسوبة.
واقع الحرب وتغير المعادلات العسكرية
عندما أشعل أنصار النظام البائد (الفلول) فتيل الحرب في 15 أبريل 2023، كانت قوات الدعم السريع متمركزة في مواقع محدودة داخل الولايات والمحليات. لكن بمرور أشهر قليلة، تحولت موازين القوى بشكل دراماتيكي، حيث تمكنت قوات الدعم السريع من بسط سيطرتها على 75% من العاصمة السودانية الخرطوم، وبدأت بالتقدم نحو دارفور، محققة انتصارات متتالية تمثلت في:
• تحرير ولاية جنوب دارفور (نيالا)، ومن ثم ولاية وسط دارفور (زالنجي)، تلاها غرب دارفور (الجنينة)، وشرق دارفور (الضعين).
• فرض السيطرة على جميع محليات ولاية شمال دارفور ومحاصرة عاصمتها الفاشر.
• تحرير ولاية غرب كردفان (الفولة)، وفرض سيطرة واسعة على محليات شمال كردفان، مع حصار لعاصمتها الأبيض.
• وجود واسع النطاق في جنوب كردفان، مما يشير إلى امتداد رقعة النفوذ العسكري.
• السيطرة الكاملة على ولاية الجزيرة وعاصمة سنار (الدندر)، قبل اتخاذ قرار تكتيكي بالانسحاب منهما وفقًا لحسابات ميدانية فرضتها الضرورة.
• انتشار مؤثر في ولاية النيل الأزرق وأجزاء كبيرة من النيل الأبيض ونهر النيل، مما يعكس قوة الانتشار الاستراتيجي للقوات.
فهم طبيعة الانسحابات التكتيكية
الانسحاب من بعض المناطق ليس تراجعًا في قوة الدعم السريع، بل هو جزء من استراتيجية عسكرية متكاملة تضمن:
1. إعادة التموضع وفقًا للظروف الميدانية، مما يسمح بتوجيه الجهود نحو محاور أكثر أهمية.
2. تقليل الخسائر البشرية والمادية، مما يحافظ على القوة القتالية الفاعلة.
3. إجبار العدو على التمدد المفرط، مما يرهقه ويقلل من قدرته على المناورة.
4. استغلال الوقت لتعزيز القدرات العسكرية والتجهيز لمرحلة جديدة من المواجهة.
التحديات والتدخلات الخارجية
لا يمكن تجاهل أن المعادلة العسكرية في السودان لا تقتصر فقط على الأطراف المحلية، بل هناك تدخلات إقليمية ودولية تسعى لتوجيه مسار الحرب لصالح طرف معين. فمنذ بداية الحرب، تلقت القوات المناوئة للدعم السريع دعمًا لوجستيًا وسياسيًا وإعلاميًا، مما أثر على سير المعركة في بعض المحاور. وهذا يستدعي:
• تعزيز الإعلام المقاوم لكشف الحقائق وإحباط محاولات التشويه والتضليل.
• توجيه حملات توعية داخلية لرفع الروح المعنوية للمقاتلين والداعمين في الداخل والخارج.
• تسليط الضوء على التضحيات والإنجازات التي حققتها قوات الدعم السريع، بهدف تحفيز المزيد من التعبئة الجماهيرية.
• فضح أيادي التدخل الخارجي التي تعمل لصالح القوى المناوئة، وتعزيز الوعي بضرورة الاستقلالية في القرار العسكري والسياسي.
إعلام المواجهة: أداة استراتيجية لرفع المعنويات
الإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل هو سلاح أساسي في المعركة، إذ يلعب دورًا حاسمًا في توجيه الرأي العام، ورفع المعنويات، وخلق حالة من الثقة واليقين بالنصر. ولذلك، ينبغي التركيز على:
1. إعداد حملات إعلامية ممنهجة تجيب على الأسئلة المحورية:
• من هي قوات الدعم السريع؟
• أين كانت في بداية الحرب وأين وصلت الآن؟
• ما هي الإنجازات التي حققتها في الميدان؟
• ما هي القوى التي تدخلت لدعم الطرف الآخر؟ وكيف يمكن مواجهتها؟
2. بث مواد إعلامية محفزة تروي قصص البطولات والانتصارات، وتسلط الضوء على التضحيات التي قُدمت من أجل الوطن.
3. تنظيم منتديات حوارية وتوعوية لشرح المستجدات العسكرية بطريقة تفصيلية، وتوضيح التكتيكات والاستراتيجيات المستخدمة.
4. استهداف الرأي العام الدولي بتقارير موثقة تكشف حقيقة الأحداث، وتفضح التلاعب الإعلامي الذي يمارسه الخصوم.
المرحلة القادمة: نحو بسط النفوذ الكامل
إن التقدم الذي حققته قوات الدعم السريع في مختلف المناطق يعكس قدرتها على التكيف مع التحديات، والاستفادة من نقاط القوة، ومعالجة نقاط الضعف. ورغم بعض التحديات، فإن المعركة لا تزال في إطار السيطرة، خاصة مع التركيز على:
• استكمال عمليات الحصار للمدن الاستراتيجية، مما سيؤدي إلى شلّ حركة العدو وإضعافه تدريجيًا.
• تعزيز الإمدادات العسكرية واللوجستية لضمان استمرارية العمليات الميدانية بكفاءة.
• التواصل الفعّال مع المجتمع المحلي لكسب الحاضنة الشعبية التي تعتبر عنصرًا أساسيًا في الحروب الحديثة.
• استغلال الانتصارات الحالية لتشكيل ضغط سياسي ودبلوماسي، يعزز من شرعية الدعم السريع ويضعف موقف القوى المناوئة.
ختامًا: النصر لمن يصبر ويُحسن التخطيط
الحرب ليست مجرد معركة عسكرية، بل هي حرب إرادة وصبر وذكاء استراتيجي. وأي طرف يسعى للسيطرة عليه أن يدرك أن القدرة على إدارة الانسحابات بذكاء، لا تقل أهمية عن تحقيق الانتصارات في المعارك. فكل خطوة يتم اتخاذها اليوم هي جزء من مخطط أوسع يهدف إلى حسم المواجهة على المدى البعيد.
وبذلك، فإن المطلوب اليوم هو رفع الوعي، وتعزيز الثقة بالنصر، وتكثيف الحملات الإعلامية والتوعوية، حتى تظل الروح القتالية قوية، ويستمر الزحف نحو تحقيق الأهداف المنشودة.